Loading

أنواع البحوث العلمية: البحث الوصفي (Descriptive Research)

استكمالًا لسلسلة مقالاتنا عن أنواع البحث العلمي، نسلّط الضوء في هذا المقال على البحث الوصفي، أحد أكثر المناهج استخدامًا في الدراسات الأكاديمية.
سنتعرّف على ماهية هذا المنهج، وأهميته، وخطوات تنفيذه، بالإضافة إلى مزاياه وتحدياته التي قد تواجه الباحث عند استخدامه.


ماهية البحث الوصفي
البحث الوصفي، أو ما يعرف أحيانًا بالبحث الإحصائي، هو أحد أنواع البحث العلمي الذي يعتمد على التحليل المنظم لتفسير ظاهرة معينة أو مشكلة محددة من خلال جمع البيانات ذات الصلة وتصنيفها وتحليلها بهدف الوصول إلى نتائج محددة.
يمكن تعريفه على أنه مجموعة من الإجراءات التي يتخذها الباحث لوصف الظاهرة محل البحث باستخدام البيانات والحقائق، ومن ثم تحليلها لاستخلاص معاني دقيقة يمكن تعميمها على مجتمع البحث.
يتسم البحث الوصفي بقدرته على الإجابة على أسئلة مثل: مَن، ماذا، متى، أين، وكيف. وعلى الرغم من دقة هذا النوع من البحث، فإنه لا يتناول الأسباب الكامنة وراء الظواهر، بل يكتفي بتقديم معلومات وحقائق حول تلك الظاهرة، مثل النسب المئوية، المتوسطات الحسابية، والانحرافات المعيارية.
قد يلجأ الباحث إلى استخدام المنهج الوصفي عندما يرغب في فهم أعمق لظاهرة معينة، كأن يلاحظ مثلاً زيادة الإقبال على سلعة أو خدمة ما، فيبدأ بدراسة الأسباب التي قد تقف وراء هذا الاتجاه.


أهمية البحث الوصفي

تتجلى أهمية البحث الوصفي في النقاط التالية:

  1. الوصول إلى بيانات دقيقة: يساعد البحث الوصفي الباحثين في جمع بيانات دقيقة وموثوقة تتعلق بظاهرة محددة، مما يسمح لهم بدراستها بصورة متعمقة وتقديم تفسير علمي للظاهرة محل البحث.
  2. تحليل وتنظيم البيانات: يركز البحث الوصفي على تحليل البيانات وتنظيمها بشكل كمّي أو نوعي، مما يسهم في الوصول إلى استنتاجات دقيقة تساعد في فهم الظاهرة بوضوح.
  3. إجراء المقارنات: من خلال البحث الوصفي، يمكن للباحث إجراء مقارنات بين الظاهرة التي يتم دراستها وبين ظواهر أخرى مشابهة، مما يساعد في تحديد العلاقات والروابط بينها.
  4. التطبيق على الظواهر الطبيعية والإنسانية: لا يقتصر البحث الوصفي على دراسة الظواهر في مجالات معينة؛ بل يمكن تطبيقه لدراسة الظواهر الطبيعية (مثل الكيمياء والفيزياء) وكذلك الإنسانية (مثل الإدارة والتربية) بكفاءة عالية.

خطوات إجراء البحث الوصفي

إليك خطوات إجراء البحث الوصفي بشكل تفصيلي:

تحديد مشكلة البحث ووصفها بشكل دقيق:
أول خطوة هي تحديد المشكلة البحثية بدقة ووضوح. يجب أن يتعرف الباحث على الظاهرة أو المشكلة التي يود دراستها وتقديم وصف شامل لها.

صياغة سؤال أو أسئلة البحث:
بعد تحديد المشكلة، يأتي دور صياغة أسئلة البحث التي سيتم من خلالها استكشاف جوانب المشكلة. يجب أن تكون الأسئلة متوافقة مع طبيعة المشكلة البحثية وتهدف إلى تحقيق الهدف المحدد من البحث.

صياغة فرضية البحث:
بناءً على الأسئلة المحددة، يقوم الباحث بصياغة فرضية أو أكثر والتي تمثل حلولًا أولية أو تفسيرًا متوقعًا للمشكلة. الهدف هنا هو اختبار صحة هذه الفرضيات خلال الدراسة.

تحديد مجتمع البحث واختيار العينة الممثلة:
يتم تحديد المجتمع الذي ينتمي إليه البحث، وتحديد العينة المناسبة التي ستمثل هذا المجتمع. يجب على الباحث توضيح حجم العينة والأسلوب الذي اعتمده لاختيارها (مثل العينة العشوائية أو العينة المتعمدة).

اختيار وسائل جمع البيانات:
بعد تحديد العينة، يختار الباحث الطريقة الأنسب لجمع البيانات. تختلف وسائل جمع البيانات وفقًا لنوع البحث وطبيعته، ويمكن أن تشمل المقابلة، الملاحظة، أو الاستبيانات.

جمع البيانات:
في هذه الخطوة، يقوم الباحث بجمع البيانات ذات العلاقة بشكل علمي ومنظم. ينبغي أن يتم جمع البيانات بدقة لضمان مصداقية نتائج البحث.

تحليل البيانات وتفسيرها:
بعد جمع البيانات، يتم تحليلها باستخدام أدوات إحصائية أو نوعية حسب طبيعة البيانات. يتم تفسير النتائج واستخلاص الاستنتاجات بناءً على تحليل البيانات.

تعميم النتائج:
في الخطوة الأخيرة، يتم تعميم النتائج المستخلصة على مجتمع البحث، ويمكن أن يُستخدم البحث كمرجع في دراسات أخرى مشابهة.


فوائد البحث الوصفي

البحث الوصفي يحمل فوائد كبيرة في العديد من المجالات. من أبرز هذه الفوائد:

  1. توفير بيانات دقيقة عن الظاهرة محل البحث:
    يتيح البحث الوصفي جمع بيانات دقيقة وواقعية حول الظاهرة التي يتم دراستها، مما يساعد في بناء قاعدة بيانات موثوقة يمكن الاعتماد عليها في دراسات لاحقة.
  2. تمكين الباحث من بيان العلاقات بين الظاهرة ومسبباتها:
    من خلال تحليل البيانات، يتيح البحث الوصفي للباحث فهم العلاقة بين الظاهرة المدروسة والعوامل المسببة لها (الأسباب والنتائج). هذا يسهم في تفسير الظاهرة بشكل أعمق وأكثر دقة.
  3. إسهام البحث الوصفي في شرح الظواهر العامة:
    يعد البحث الوصفي أداة قوية لشرح الظواهر الاجتماعية أو السلوكية العامة في مجتمعات معينة. يمكن للباحث من خلاله أن يكشف عن الاتجاهات السائدة في المجتمع ويساعد في فهم كيفية تطور هذه الظواهر بمرور الوقت.
  4. فتح آفاق جديدة للدراسات المستقبلية:
    يوفر البحث الوصفي معلومات قيمة تفتح المجال لمزيد من الدراسات المستقبلية حول الظواهر العامة. قد تكشف هذه الدراسات عن روابط وعلاقات غير متوقعة، مما يساعد في تطوير نظريات جديدة أو في فحص ظواهر غير مكتشفة بعد.

سلبيات البحث الوصفي

على الرغم من الفوائد العديدة للبحث الوصفي، إلا أن هناك بعض السلبيات التي قد يواجهها الباحثون عند استخدام هذا النوع من البحث، ومنها:

  1. صعوبة قياس بعض الخصائص المتعلقة بالسلوك الإنساني:
    يُعد البحث الوصفي محدودًا عندما يتعلق الأمر بدراسة الخصائص النفسية أو السلوكية للبشر مثل الدوافع والسمات الشخصية. فهذه العناصر تكون صعبة القياس بسبب تعقيداتها وطبيعتها غير الملموسة، كما يصعب عزل هذه السمات ودراستها بشكل منفصل.
  2. قيمة محدودة في اختبار الفرضيات:
    في بعض الحقول مثل البحوث التربوية والنفسية، قد تكون القيمة التفسيرية للبحث الوصفي محدودة عندما يتعلق الأمر باختبار الفرضيات بشكل دقيق. فالهدف الأساسي من البحث الوصفي هو جمع المعلومات، ولكن يصعب تحويل هذه البيانات إلى فرضيات قابلة للاختبار أو تعميم النتائج بشكل علمي دقيق.
  3. صعوبة تعميم النتائج:
    نظرًا لأن البحث الوصفي يعتمد على بيئة أو مجموعة معينة في زمان ومكان محدد، قد يكون من الصعب تعميم نتائجه على مجتمعات أو أماكن أخرى. فالظواهر والسلوكيات التي يتم دراستها في وقت ومكان معين قد تختلف بشكل كبير في بيئات أخرى أو مع مرور الوقت

الخلاصة

في الختام، يُعتبر المنهج الوصفي أداة قوية ومفيدة في دراسة بعض الظواهر العلمية، خاصة تلك التي تتطلب جمع البيانات وتحليلها بشكل منظم. ومع ذلك، فإن هذا المنهج لا يُمكّن الباحث من الوصول إلى نتائج دقيقة في البحوث التي تهدف إلى قياس وتفسير الظواهر المرتبطة بالسلوك الإنساني، مما يجعله غير مناسب في هذه الحالات. لذلك، يجب على الباحثين أن يكونوا حذرين في اختيار المنهج الأنسب لدراستهم بناءً على طبيعة الظاهرة محل البحث.

من الضروري أن يراعي الباحث السلبيات المحتملة للمنهج الوصفي، مثل صعوبة تعميم النتائج أو قياس بعض الظواهر الإنسانية، والعمل على تجنب هذه القيود من خلال اتخاذ خطوات إضافية مثل استخدام مناهج أخرى أو إجراء دراسات مقارنة. بذلك، يمكن للباحثين الاستفادة القصوى من المنهج الوصفي وتقديم نتائج ذات قيمة مضافة للمعرفة البشرية.

اترك تعليقاً